Menu

تخريب النصر الفلسطيني، لا متن دبابة ولا شاحنة طحين  

حمدي فراج

 

كتب حمدي فراج*

خطأ شائع، ما قيل عن اليوم التالي لانتهاء العدوان الإبادي على غزة من أنه لا قرارات ولا أي إجراءات قبل وقف الحرب، فماذا يسمى حل حكومة شتية قبل أكثر من شهر، وإعلان حكومة "تكنوقراط" بإملاء أميركي عربي رجعي، ودخولها الخدمة بعد أداء وزرائها اليمين بدون أي نوع من أنواع التوافق الوطني .
من ضمن الأخطاء الشائعة، أن الهوة العميقة مع غزة مقتصرة على الأنظمة العربية، وحتى نكون أكثر دقة، فإن النظام العربي ناصب حماس العداء عندما تحولت إلى حركة مقاومة قبل نحو أربعين سنة، قبلها، عندما كانت حركة إخوان مسلمين، حظيت باحترامهم و دعمهم واحتضانهم، وقد وصل الأمر بتعيين أمراء أنظمة رؤساء فخريين لهذه الحركة. خطأ شائع أيضاً أن عداء النظام العربي لحماس مقتصر عليها، بل هو يطول كل حركات المقاومة في المنطقة والعالم، وكان القائد الفلسطيني ياسر عرفات يعرف إلى حد كبير كيف يتقي شرهم، لكن هذا لم يمنع تفجر العديد من الصراعات التي تحولت في أكثر من عاصمة عربية إلى مواجهات عسكرية دامية، ناهيك عن التدخلات السافرة في شؤون الثورة والتآمر عليها منذ ما قبل عرفات وما قبل ثورته المعاصرة وما قبل النكسة وحتى ما قبل النكبة، إجهاض ثورة 1936 مثالاً.
الشرخ الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، والذي لم يبدأ بالحسم العسكري في غزة قبل حوالي عشرين سنة، ولن ينتهي بحكومة التكنوقراط ولا بالسيطرة على غزة من على متن الدبابة الإسرائيلية أو متن شاحنة الهلال الأحمر المصري المحملة بالأدوية والطحين، لقد كان هذا الشرخ موجوداً منذ توقيع اتفاقية أوسلو، وكان ياسر عرفات أيضاً قادراً على لجمه واحتوائه، رغم أن حماس آنذاك لم تكن قد تنصلت بعد من ارتباطها الإخونجي العضوي الديني العقائدي وكانت تكفّر كل من يعارضها، بما في ذلك منظمة التحرير وتعتبر شهداءها مجرد أموات "فطائس".
اليوم، وبعد مرور ستة أشهر على طوفانها وأدائها القتالي البطولي في الميدان، و التفاوضي في الدوحة والقاهرة، والاجتماعي في غزة والضفة، والإعلامي بشكل عام. كفت حماس عن تقديم أي خطاب ديني، تقدم شكرها الى أحرار العالم من الكفار ومن الذين يدينون بغير الإسلام. اليوم وهي تنتصر على إسرائيل نصراً لا يستطيع النظام العربي رؤيته، و لا السلطة الفلسطينية في الضفة، هو من ضمن الأخطاء الشائعة، تخرج المظاهرات الإسرائيلية في تطور كمي ونوعي، تطالب نتنياهو بالرحيل "ارحل" و تتوعد باحراق البلاد، والأهم بوقف الحرب والتجويع، فهل من المعقول أن تطالب الجموع زعيمها بالرحيل وهو منتصر، هذا لم يحدث في التاريخ، وإذا كان ليس منتصراً، فهذا يعني أن خصمه (حماس) هو المنتصر، أو على الأقل، فإنه منهزم، فهل يجوز أن لا نرى كل ذلك، أم أنه تخريب النصر الفلسطيني الذي صنعته غزة بدمها و جوعها و صبرها طوال ستة أشهر .

 

*كاتب فلسطيني